روائع مختارة | قطوف إيمانية | أخلاق وآداب | قيمة الحــــياة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > أخلاق وآداب > قيمة الحــــياة


  قيمة الحــــياة
     عدد مرات المشاهدة: 3058        عدد مرات الإرسال: 0

مِن أبشعِ حقائقِ النَّفس الإنسانيَّة أنَّنا جميعًا نرغبُ في أن ننبُذَ حياتنا لأنَّنا نحلمُ دائمًا بحياةٍ مثاليَّةٍ كاملةٍ بدُونِ شوائبَ بالرُّغم من أنَّ قيمةَ الحياة تكمنُ في أنْ نحياها كذلك لا يوجد أيَّةُ متعةٍ كاملةٍ فيها وبالتَّأكيد تعترضُ الإنسانَ مواقفُ تجعله يفقد قيمةَ الحياة.

لكنَّ الجميعَ أجمعوا على أنَّ السِّرَّ في الحياة هو أن تجعلَ لنفسك هدفًا فيها.. ويجنحُ كثيرٌ من النَّاس إلى أن يُعزُّوا أنفسَهم عمَّا يفوتُهم في الحياة من مغانمَ وعمَّا يُصيبهم فيها من خطوبٍ بأنَّ الدُّنيا دارُ شقاءٍ وفناءٍ، وأنَّ الحياةَ لا تستحقُّ كلَّ ما يحتملُ الناسُ في سبيلها من كدٍّ وعناءٍ ولا بِدْعَ في ذلك، فقد حَفِلَ الأدبُ الذي ورثوه عن أسلافِهم بهذه الفكرة وألحَّ عليهم بها إلحاحًا شديدًا حتى إستقرَّتْ من نفوسِهم في موضع الإيمان فالشُّعراء المتشائمون مابرحوا منذُ الدَّهر القديم يُهوِّنون من قيمةِ الحياة ويُقبِّحون من جمالِها ومتاعِها.

فالحياةُ عندَهم طيفٌ ما أسرعَ أن يزولَ، وخيرٌ للمرءِ أن يقضيَ العمرَ ضاحكًا من أن يقضيَه متشائمًا مفكِّرًا أنَّ الحياةَ قصيرةٌ وفانيةٌ، ولكن أيُسوِّغُ هذا للزَّاهد أو المتشائم أن يُعرضَ عنها ويستهينَ بكلِّ ما فيها على رجاءِ الآخرة أو يُسوِّغ هذا للمستهتر أن يعتصرَها في لذَّةٍ وهو مزْدَرٍ لها يعيشُ في يومِه ولا يفكِّر في غدِه؟

إنَّ حياةَ كلِّ فردٍ في العالم لها قيمتُها، لأنَّ العالمَ يسير بخُطًى ثابتةٍ نحو التَّقدُّم في جميعِ الميادين وقد تُبطئ الخُطَى أحيانًا وتُسرع أحيانًا لكنَّها ماضيةٌ في طريقِ التَّطوُّرِ والفرد مهما كانتْ ظروفُه الإجتماعيَّةُ، ومهما كانتْ طبيعةُ عملِه من السُّهولةِ والتَّواضع، فهو عضوٌ في مجتمعِه يُسهم في حياته في مسيرِ القافلة الكُبرى إلى أهدافها العليا.

والفردُ على أسوأِ الفُروض مسمارٌ لا غِنًى عنهُ في جهازِ أمَّته والأمَّةُ عضوٌ في المجتمعِ البشريِّ ثمَّ الإنسان وقبل هذا كلِّه له عقلُه وروحُه ووجدانُه وحياتُه فالقرونُ الوُسطى بما كان يسودُها من جهالةٍ وظلامٍ والمحنةِ التي كانت تُعانيها شعوبُنا قبل نهضتِنا هذه، والخرافاتُ التي كانت تسود قلوبَ الناس محلَّ العقائد، وتختلطُ في الدِّين وتُسيء فهمَه وتفسيرَه والفقرَ والجهلَ والضَّعفَ، كلُّ هذه الأشياء كانت كفيلةً أن تُفسد نظرةَ الناس للحياة.

مع ذلك فإنَّ حياةَ الإنسان ليست ملكًا له وحدَه فلمجتمعِه الذي يعيش فيه حقوقٌ في هذه الحياة، وليس من الخير ولا من الجائز للمرء أن يستأثرَ بحياتِه دون مجتمعه ولا من الجائز للمجتمع أن يُصادرَ حيواتِ الأفرادِ كلَّها لحسابِه.

وقد أصبحْنا في عصرٍ تعمل فيه النُّظمُ الاجتماعيَّةُ على زيادةِ التَّكافُل الإجتماعيِّ بين الأفراد وقد كانت مهمَّةُ الدَّولة فيما مضى مقتصرةً على حمايةِ نفسها من العدوانِ الخارجيِّ بالجيش وعلى حمايةِ أعضائها بالشرطةِ والقضاء، ولكنَّ مهمَّةَ الدَّولةِ قد تطوَّرت فظهرتِ التَّشريعاتُ الإجتماعيَّةُ التي تُضاعف تبعاتِ الدَّولة والتزاماتِها، ولهذا يجب على الأدباء والمفكرين أن يُوعُّوا الناسَ في هذا فالأدبُ في المجتمعِ الواعي ضروريٌّ كالخبزِ ونحنُ الآنَ أشدُّ ما نكون في حاجةٍ إلى أن يكونَ هذا الغذاءُ صحِّيًّا مُلائمًا لحاجاتِنا وخاليًا من جراثيم العجزِ والوهنِ والتَّشاؤُمِ.

المصدر: موقع رسالة المرأة.